أَذْكُرُ الصَّمْتَ جَمَّنِي
لحظاتٌ عِدة .. أرقب فيها نفسي لأدرك كم كنت أَحْمَـ... وكم كنت ساذَ... ، أنا لستُ أعبث بذكرياتي ، ولست أعيد الشريط كلما انتهى ! .. مُؤنِّباً نفسي ومعذِّبها ، ولكني أذكرها كثيراً .. تلك اللحظات ، حينما جمَّني الصمت !
كنت منتصباً ومن خلفي الأسوار ، في وقفتي تحدٍّ للعواصف ، هي .. ركضت نحوي وعانقتني .. أنا لم أتحرك .. وابعتدت .. ونظرتْ إليَّ .. وكأني أقول " لِمَ " ولم أقلْ إذ جَمَّني الصمت !
وهذا الأبُ .. الذي كلما نظرتُ لعينيه .. قَبَّلتُهما ، أشاح بوجهه – مُرغماً - عني حين تلاقى خدّه بشفتَي .. كأنما انقشع النور عني أبداً .. أَ حينَ دمعت عيناه في تلك اللحظة الطويلةِ تَمَلَّت روحي .. عني .. مُرغمةً ؟
يومَ قالت لي " يا بُنَيَّ لِمَ أنتِ عاص ؟ " .. كأنما اجْتزأ الهواء صدري .. فكان رماداً أمامي .. تلك الانقباضةُ التي تجتزءُ داخل الصدر .. تلك الانقباضة .. تلك الانقباضة .
وساعةَ كنتُ مُرهقاً ككهلٍ حُمِّلَ جبلاً فوق جبلِ أحماله .. فصرتُ أعوي وأعوي ولَمْلَمَني أحدهم إلى صدره .. ثم ذَهَبَ ولم يسألني " ماذا بِك " .
بُرَهُ هذا العمرِ العجيب الذي قضيتُهُ بعيداً عني كأنني لستُ أنا .. في حالةٍ موفورةٍ من انعدامِ الذاتِ ، وهذا الشوق الذي يعبَثُ بي ، وهذا الحزن الذي يتخلَّلُني ، وهذه المرارة في حَلْقي ، وذاك الفقد ، وتلك الوحدة ، أكونُ دائماً .. دائماً وأبداً .. كما قالَ لي :
أَأَمْجَدُ .. دونَ مَجْدِكَ كُلُّ مَجْدٍ
وَمَجْدُ الشِّعْــرِ يَخْتَرِمُ المُحالا
الغريب .. في وطنه ، الوفيّ .. لعدوّه ، الحزين .. بردوده ، والممثل .. البارع ، والشاعر .. الحالم ، الكاذب .. الفارع ، فـ الاجتماعيّ .. معهم ، فـ المنطويّ .. مع نفسه ، أكون دوماً ما هُوَ أنا .. أكون ولا أكونُ سوايَ .. فأكونُ أمجدَ نفسي فقط .
0 كلمات النُّقاد والجمهور:
إرسال تعليق